للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها محمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري، المدعي أنه علويّ، حسنيّ، وأنه المهدي. رحل إلى المشرق، ولقي الغزالي وطائفة، وحصّل فنونا [١] من العلم، والأصول، والكلام، وكان رجلا ورعا ساكنا ناسكا في الجملة. زاهدا متقشفا شجاعا جلدا عاقلا، عميق الفكر، بعيد الغور، فصيحا مهيبا، لذته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، ولكن جرّه إقدامه وجرأته على حب الرئاسة والظهور وارتكاب المحظور، ودعوى الكذب والزور، من أنه حسنيّ، وهو هرغيّ [٢] بربريّ وأنّه إمام [٣] معصوم، وهو بالإجماع مخصوم. فبدأ أولا في الإنكار بمكّة، فآذوه، فقدم مصر وأنكر، فطردوه، فأقام بالثغر مدّة فنفوه، وركب البحر، فشرع ينكر على أهل المركب ويأمر وينهى، ويلزمهم بالصلاة. وكان مهيبا وقورا بزيق الفقر، فنزل بالمهديّة في غرفة، فكان لا يرى منكرا أو لهوا إلّا غيره بيده ولسانه، فاشتهر وصار له زبون وشباب يقرؤون عليه في الأصول، فطلبه أمير البلد يحيى بن باديس وجلس له، فلما رأى حسن سمته وسمع كلامه احترمه وسأله الدعاء. فتحول إلى بجاية، وأنكر بها، فأخرجوه، فلقي بقرية ملّالة عبد المؤمن بن علي شابا مختطا مليحا. فربطه عليه، وأفضى إليه بسرّه وأفاده جملة من العلم، وصار معه نحو خمسة [٤] أنفس، فدخل مرّاكش، وأنكر كعادته، فأشار مالك بن وهيب الفقيه على علي بن يوسف بن تاشفين بالقبض عليهم سدّا للذريعة، وخوفا من الغائلة، وكانوا بمسجد داثر بظاهر مرّاكش،


[١] في «العبر» بطبعتيه: «فنا» .
[٢] قال ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (٥/ ٥٥) : الهرغيّ: بفتح الهاء وسكون الراء، وبعدها غين معجمة، هذه النسبة إلى هرغة، وهي قبيلة كبيرة من المصامدة في جبل السوس في أقصى المغرب تنسب إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، يقال: إنها نزلت في ذلك المكان عند ما فتح المسلمون البلاد على يد موسى بن نصير.
[٣] لفظة «إمام» سقطت من «ط» .
[٤] في «ط» : «خمس» .

<<  <  ج: ص:  >  >>