الأربعين ومائتين، وأكثر الترحال، ولقي نبلاء الرّجال، وكان من أفراد الدّهر علما، وذكاء، وكثرة تصانيف، قلّ أن ترى العيون مثله.
وسمع من محمد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، وإسماعيل بن موسى السّدّي، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن أبي معشر، وغيرهم.
وحدّث عنه: أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحرّاني- وهو أكبر منه-، وأبو القاسم الطّبراني، وأحمد بن كامل القاضي، وأبو بكر الشّافعي، وأبو أحمد بن عدي، وغيرهم كثير.
واستقرّ في أواخر أمره ببغداد، وكان من كبار أئمة الاجتهاد.
قال الخطيب البغدادي: كان محمد بن جرير أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظا لكتاب الله تعالى، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسّنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، عارفا بأيام الناس وأخبارهم [١] .
وقال الذهبي: كان ثقة، صادقا، حافظا، رأسا في التفسير، إماما في الفقه والإجماع والاختلاف، علّامة في التاريخ وأيام الناس، عارفا بالقراءات وباللغة، وغير ذلك.
قال ابن خزيمة: ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير.
ووصفه ابن العماد بالحبر، البحر، الإمام.
مات سنة عشر وثلاثمائة، وقد رثاه ابن دريد بقصيدة مطوّلة، منها قوله:
لو تعلم الأرض من وارت لقد خشعت ... أقطارها لك إجلالا وترحيبا
[١] وقد اقتبس السمعاني كلام الخطيب هذا في «الأنساب» (٨/ ٢٠٥) وزاد عليه، فراجعه.