للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصّيرفي. وخلقا. وسمع «المسند» [١] و «الصحيحين» وكتب «السنن» وتفقه في المذهب، حتّى أفتى، وبرع أيضا في الفرائض، والحساب، وعلم الهيئة، وفي الأصلين، والعربية. وله مشاركة قويّة في الحديث. ودرّس بالحنبلية مدة. وكان صاحب صدق وإخلاص، قانعا باليسير، شريف النّفس، شجاعا، مقداما، مجاهدا، زاهدا، ورعا، يخرج من بيته ليلا ويأوي إليه نهارا، ولا يجلس في مكان معيّن بحيث يقصد فيه، لكنه يأوي المساجد المهجورة خارج البلد، فيختلي فيها [٢] للصّلاة، والذّكر.

وكان كثير العبادة، والتألّه، والمراقبة، والخوف من الله تعالى، ذا كرامات وكشوف. كثير الصّدقات والإيثار بالذهب والفضة في حضره وسفره، مع فقره وقلّة ذات يده. وكان رفيقه في المحمل في الحج يفتش رحله فلا يجد فيه شيئا ثم يراه يتصدق بذهب كثير جدا، وهذا أمر مشهور معروف عنه.

وحجّ مرات متعددة. وكان له يد طولى في معرفة تراجم السّلف ووفياتهم في التواريخ المتقدمة والمتأخرة. وجلس مع أخيه مدّة في الدّيار المصرية، وقد استدعي غير مرّة وحده للمناظرة، فناظر وأفحم الخصوم، وسئل عنه الشيخ كمال الدّين بن الزّملكاني، فقال: هو بارع في فنون عديدة، من الفقه، والنّحو، والأصول، ملازم لأنواع الخير وتعليم العلم. حسن العبارة، قويّ في دينه، مليح البحث، صحيح الذّهن، قوي الفهم، رحمه الله. قاله ابن رجب.

وذكره الذهبي في «المعجم» وغيره، وأثنى عليه كثيرا.

توفي- رحمه الله تعالى- يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى بدمشق، وصلّي عليه الظهر بالجامع [٣] وحمل إلى القلعة، فصلّى عليه أخواه تقي الدّين، وعبد الرحمن، وغيرهما، صلّى عليه أخواه في السّجن لأن التكبير عليه كان يبلغهم، وكان وقتا مشهودا. ثم صلّي عليه مرة ثالثة ورابعة، وحمل على الرؤوس والأصابع، فدفن في مقابر الصّوفية.


[١] يعني «مسند الإمام أحمد بن حنبل» .
[٢] أقول: الصواب أن يقال: «فيخلو فيها» (ع) .
[٣] «يعني بالجامع الأموي» .

<<  <  ج: ص:  >  >>