وقال موفق الدين بن قدامة المقدسي: كان رفيقي، وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدع وقيامهم عليه، وقد رزق العلم وتحصيل الكتب الكثيرة، إلّا أنه لم يعمّر حتى يبلغ غرضه في روايتها ونشرها.
قلت: وقد قامت شهرة الحافظ عبد الغني المقدسي على عدد من كتبه وأهمها «الكمال في أسماء الرجال» الذي ترجم فيه لرجال الكتب الستة المشهورة في علم الحديث، التي عليها المعوّل عند المحدّثين المتقدمين والمحدثين، وهو من الكتب الرائدة في هذا الباب، وقد استفاد العلماء المسلمون من هذا الكتاب العظيم لسنوات طويلة امتدت لقرابة قرن ونصف، إلى أن قام الإمام الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزّي المتوفى سنة (٧٤٢) هـ بتهذيب هذا الكتاب، وسمّى كتابه «تهذيب الكمال في أسماء الرّجال» الأمر الذي جعل العلماء فيما بعد يميلون إلى اعتماد «تهذيب» المزي لما تضمنه من الزيادة والترتيب والضبط عن «الكمال» نتيجة لتقدم العلم وأساليب البحث والتصنيف عند علماء المسلمين في الفترة الفاصلة بين وفاة الحافظ عبد الغني، وعصر الإمام المزي.
ولكن تجدر الإشارة إلى أن عمل المزي في «تهذيب الكمال» لا يلغي بالضرورة ما للحافظ عبد الغني من فضل في جمع مادة الكتاب أصلا، لأن من المسلّم به أنّ الأفضلية من جهة الدراية في العلوم هي للسابق لا للاحق، وهو الأمر الذي بدت مقدمة محقّق «تهذيب الكمال» الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف وكأنها تصرّ على تجاوزه!.
ولا أقول هذا لأقلّل من قيمة «تهذيب بالكمال» الذي صنّفه المزّي، فإني من أسعد الناس بظهوره بهذا الإتقان الذي اتّسمت به المجلدات الخمس الأولى الصادرة منه حتى الآن، ولكن الإنصاف هو الذي دعاني إلى التشديد على فضل الحافظ عبد الغني المقدسي في وجود أصل الكتاب [١] .
[١] وللتوسّع في دراسة حياة الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله تعالى راجع كتابي «عناقيد