في المدرسة المذكورة، ثم صار مدرّسا بمدرسة أخيه بعد وفاته، ثم صار قاضيا بالعسكر المنصور. ولما جلس السلطان محمد خان على سرير السلطنة ثانيا جعل له كل يوم مائة درهم، ولما فتح قسطنطينية جعل المترجم قاضيا بها بعد وفاة المولى خضر بك، وضم إليه قضاء غلطة، وأسكدار، وتدريس آيا صوفيا. وكان مربوع القامة، عظيم اللّحية، يلبس الثياب الدّنية، وعلى رأسه عمامة صغيرة.
وكان السلطان محمد يجلّه كثيرا ويفتخر به، ويقول لوزرائه: هذا أبو حنيفة زمانه.
وكان متخشعا متواضعا، صاحب أخلاق حميدة، وسكينة ووقار، يخدم بنفسه، مع ماله من العبيد والخدم الذين لا يحصون كثرة.
وكان مع اشتغاله بالمناصب والتداريس يكتب كل يوم ورقتين من كتب السّلف بخط حسن.
وآل به الأمر إلى أن صار مفتيا بالتخت السلطاني، وعظم أمره، وطار ذكره، وعمر عدة مساجد بقسطنطينية.
ومن مصنّفاته «حواش على المطول» و «حواشي التلويح» و «حواش على أول تفسير البيضاوي» و «مرقاة الوصول في علم الأصول» وشرحه، و «الدّرر والغرر» ورسالة في الولاء، و «رسالة متعلقة بتفسير سورة الأنعام» وغير ذلك.
وتوفي بقسطنطينية وحمل إلى مدينة برسا فدفن بها في مدرسته، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى محمد بن قطب الدّين الأزنيقي [١] الحنفي الإمام العالم العامل.
قرأ العلوم الشرعية والعقلية على المولى الفناري، وتمهر، وفاق أقرانه، ثم سلك مسلك التصوف، فجمع بين الشريعة والطريقة والحقيقة، وصنّف «شرحا لمفتاح الغيب» للشيخ صدر الدّين القونوي وهو في غاية الحسن، وشرح أيضا «فصوص الصدر القونوي» رحمهما الله تعالى.
[١] ترجمته في «الضوء اللامع» ص (١٨٥) وقال فيه: نسبته إلى أزنيق مدينة رومية قديمة.