كرسي ابن عبية، وكان حاضرا إذ ذاك فتكلم المترجم على البسملة وأسماء الفاتحة، ونقل كلام العلماء في ذلك فأحسن، وصار من مشاهير الوعاظ بالجامع الأموي.
وتوفي بدمشق في آخر أيام التشريق، ودفن عند قبر الشيخ إبراهيم النّاجي غربي سيدنا معاوية، رضي الله تعالى عنه، بمقبرة باب الصغير.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن نور الدّين علي بن شهاب الدّين الشّعراوي [١] الشافعي، والد الشيخ عبد الوهاب، اشتغل في العلم على والده ووالده حمل العلم عن الحافظ ابن حجر، والعلم صالح البلقيني والشرف يحيى المناوي.
وكان المترجم عالما، صالحا، فقيها، نحويا، مقرئا. وله صوت شجيّ في قراءة القرآن، يخشع القلب عند سماع تلاوته بحيث صلى خلفه القاضي كمال الدّين الطويل، فكاد أن يخرّ إلى الأرض من فرط الخشوع. وقال له: أنت لا يناسبك إلّا إمامة جامع الأزهر، وكان ماهرا في علم الفرائض، وعلم الفلك. وكان يعمل الدواير ويشدّ المناكيب، وكان له شعر، وقوة في الإنشاء، وربما أنشأ الخطبة حال صعود المنبر. وكان مع ذلك لا يخل بأمر معاشه من حرث وحصاد وغير ذلك.
وكان له توجّه صادق في قضاء حوائج الناس، ويشهد بينهم ويحسب ويكتب محتسبا في ذلك. وكان يقوم كلّ ليلة بثلث القرآن أو بأكثر.
قال ولده الشيخ عبد الوهاب: وقد كنت أقرأ عليه يوما في سورة الصافات فلما بلغت قوله تعالى: فَاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَواءِ الْجَحِيمِ قال تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ٣٧: ٥٥- ٥٦ [الصّافات: ٥٦- ٥٥] بكى حتى أغمي عليه، وصار يتمرغ في الأرض كالطير المذبوح.
قال: وصنّف عدة مؤلفّات في علم الحديث، والنحو، والأصول، والمعاني، والبيان، فنهبت مؤلفاته كلّها فلم يتغيّر، وقال: لقد ألّفناها لله فلا علينا أن ينسبها الناس إلينا أم لا.