ورحل في طلب العلم إلى مكة، وسمع الحديث من أبي عبد الله بن البنّا وطبقته، ثم قصد دمشق وسمع فيها من عمر بن طبرزد، ومحمد بن وهب بن الشريف، والخضر بن كامل، وأبي اليمن الكندي، وخلق، ثم سمع بحرّان، والرّها، والإسكندرية، وغيرها.
مات سنة ست وخمسين وستمائة في الرابع من شهر ذي القعدة.
قال ابن ناصر الدّين: كان حافظا كبيرا، حجة، ثقة، عمدة.
وقال: ابن قاضي شهبة: برع في العربية، والفقه، وسمع الحديث بمكة، ودمشق، وحرّان، والرّها، والإسكندرية، وروى عنه الدمياطي، وابن دقيق العيد، والشريف عز الدين، وأبو الحسين اليونيني، وخلق، وتخرّج به العلماء في فنون من العلم، وبه تخرّج الدمياطي، وابن دقيق العيد، والشريف عزّ الدين وطائفة في علوم الحديث.
وقال الشريف عزّ الدين: كان عديم النظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه، عالما بصحيحه، وسقيمه، ومعلوله، وطرقه، متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيّما بمعرفة غريبة وإعرابه، واختلاف ألفاظه، ماهرا في معرفة رواته وجرحهم، وتعديلهم، ووفياتهم، ومواليدهم، وأخبارهم، إماما، حجّة، ثبتا، ورعا، متحريا فيما يقوله، متثبتا فيما يرويه.
قلت: وقد قامت شهرة المنذري على كتبه الثلاثة المنوّه عنها في صدر الترجمة. وقد طبع الأول منها في أربع مجلدات كبيرة بتحقيق الأستاذ الدكتور بشّار عوّاد معروف، وصدر في طبعته الثانية المتقنة عن مؤسسة الرسالة، ولهذا الكتاب «صلة» من تصنيف العلّامة أحمد بن محمد الحسيني تلميذ المنذري المتوفى سنة (٦٩٥) هـ. وطبع الثاني منها في أربع مجلدات في مصر بتحقيق الأستاذ مصطفى محمد عمارة، وهي طبعة جيدة، وقد صدرت عن شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ويقوم الأستاذ الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بفصل الصحيح من أحاديث هذا الكتاب عن الضعيف، وقد صدر جزء من الصحيح من طبعته، وجزء من الضعيف أيضا.