فعظّمه وأكرم مثواه، ورتّب له علوفة حسنة، وشاع فضله بين أكابرها، وأخذ عنه جماعة من أعيانها، حتى قاضيا العسكر إذ ذاك، ولم يزل بها معظّما مبجّلا، ينشر الفوائد وينثر الفرائد، وأملى بها أمالي على «شرح الشاطبية» للجعبري، ثم استأذن من السلطان في الرحلة إلى مصر واعتذر بعدم صبره على شتاء الرّوم وشدة بردها، فأذن له وأمر له أن يستوفي ما عين له من خزينتها، فتوجه إليها من طريق البر سنة أربع وأربعين، فدخل حلب فانتدب للقراءة عليه والأخذ عنه جماعة من أهلها، منهم ابن الحنبلي، ثم دخل طرابلس، ثم دمشق، وانتفع به أهلها، وشهدوا له بالعلم خصوصا في التفسير، والعربية، والمنطق، والكلام، والعروض، والقراآت، والمعاني، والبيان، وقرأ عليه العلاء بن عماد الدّين الشافعي في أوائل «تفسير البيضاوي» فأفاد وأجاد، حتى أذهل العقول، وقرأ عليه القاضي معروف رسالة الوجود للسيد الشريف، وبعض «شرح آداب البحث» للمسعودي، وقرأ عليه الشّهاب الطّيبي في القراآت، وأجازه إجازة حافلة، ثم سافر من دمشق في يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين، وألّف تلميذه الشيخ شهاب الدّين الطّيبي مؤلفا في تاريخ سفره بالكسور العددية، سماه ب «الكسر المرشوش في تاريخ سفر الشيخ مغوش» .
وقال ابن الحنبلي في ترجمته: كان عالما، علّامة، متقنا، متفنّنا، ذا إدراك عجيب واستحضار غريب، حتى أنه كان في قوته أنه يقرئ مثل العضد المرة بعد المرة من غير مطالعة.
قال: وكان دأبه الاستلقاء على القفاء ولو حالة التدريس وعدم النهوض لمن ورد عليه من الأكابر، كل ذلك لما كان عنده من حبّ الرفاهية والراحة والانبساط والشهامة.
انتهى وكان يطالع من حفظه كلما أراد من العلوم، ولم يكن عنده كتاب ولا ورقة أصلا. وكان يحفظ «شرح التلخيص» مع حواشيه و «شرح الطوالع» و «شرح المواقف» و «شرح المطالع» كما قاله في «الشقائق» .