وقد كان المنصور، والسّفّاح في خلافة الأمويين من الدّعاة إلى محمّد بن عبد الله هذا، ولما أعيا المنصور أمره، جهز إليه ابن عمه عيسى بن موسى بن محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس، وقال: لا أبالي أيّهما قتل صاحبه، لأن عيسى ولي العهد بعد المنصور، على ما رتّبه لهم السّفّاح، فسار عيسى في أربعة آلاف، وكتب إلى الأشراف يستميلهم، فمال كثير منهم، وتحصّن محمّد بالمدينة، وأعمق خنادقها، وزحف عليه عيسى، وناداه بالأمان، وناشده الله، ومحمّد لا يرعوي لذلك، ولما ظهر له وتخاذل أصحابه، واغتسل وتحنّط، وقاتلهم بنفسه قتالا شديدا ومعه ثمانون رجلا، وقتل بيده اثني عشر رجلا ثم قتل، واستشهد لثنتي عشرة ليلة من رمضان سنة خمس وأربعين، وله اثنتان وخمسون سنة، وقبره بالبقيع مشهور مزور، وبعث برأسه إلى المنصور، وكانت مدة قيامه شهرين واثني عشر يوما.
وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة في هذه السنة أيضا. وقد كان سار إليها من الحجاز، فدخلها سرّا في عشرة أنفس، فدعا إلى نفسه سرا، وجرت له أمور، وتهاون متولّي البصرة في أمر إبراهيم حتّى اتّسع الخرق، وخرج أول ليلة من رمضان، ونزل إليه متولّي الكوفة بالأمان، ووجد إبراهيم في بيت المال ستمائة ألف، ففرقها في أصحابه، ولما بلغ المنصور خروجه، تحوّل إلى الكوفة ليأمن غائلة أهلها، وألزم النّاس لبس السواد، وجعل يقتل ويحبس من اتّهمه، وبعث إبراهيم عاملا إلى الأهواز، وآخر إلى فارس وسائر البلدان، فأتاه مقتل أخيه بالمدينة قبل عيد الفطر بثلاث، فعيّد منكسرا، وجهز المنصور لحربه خمسة آلاف، فكان بينهما وقعات قتل فيها خلق عظيم، ولم يبرح المنصور حتّى قدم عيسى من المدينة فوجّهه إلى إبراهيم، وجعل المنصور لا يقرّ له قرار، ولا يأوي إلى فراش خمسين ليلة، كل ليلة يأتيه فتق من ناحية، وعنده مائة ألف بالكوفة، ولو هجم عليه إبراهيم بالكوفة لأوقع به، ولكنه قال: