للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صغيرين نرعى البهم يا ليت أنّنا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم [١]

ثم كان يأتي الحيّ على غفلة من أهله، فلما كثر ذلك، خرج أبو ليلى ومعه نفر من قومه إلى مروان بن الحكم فشكوا إليه ما أصابهم من قيس بن الملوّح، وسألوه الكتاب إلى عامله يمنعه من كلام ليلى، وإن وجده أهلى ليلى عندها يكون دمه هدرا، فلما بلغ قيسا ذلك قال:

ألا حجبت ليلى وآلى أميرها ... عليّ يمينا جاهدا لا أزورها

وواعدني [٢] فيها رجال أبوهم ... أبي وأبوها خشّنت [٣] لي صدورها

على غير شيء [٤] غير أنّي أحبّها ... وأنّ فؤادي عند ليلى أسيرها [٥]

فلما يئس منها، ذهب عقله بالكلية، ولعب بالتراب والحصى، وضنيت ليلى أيضا من فراقه، ثم تزوجت ليلى، فصار المجنون يدور في الفلوات عريانا ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش، ثم وجد بعد حين ملقى بين الأحجار ميتا، فاحتملوه إلى الحيّ، وغسلوه، ودفنوه، وبكوا عليه، وكان أبو ليلى أشدّ القوم جزعا وبكاء، وقال: ما علمت أن الأمر يبلغ إلى هذا، ولكني كنت امرأة عربيا أخاف العار، ولو علمت أن الأمر يفضي إلى هذا ما أخرجتها عن يده، ويقال: إنها أيضا ضنيت عليه وماتت أسفا، ودفنت قريبا منه، وأمرهما أشهر من أن يذكر، والله أعلم.

وفيها توفي عبد الله بن جعفر المخرميّ [٦] المدنيّ. روى عن عمّة أبيه أمّ بكر بنت المسور بن مخرمة، وجماعة من التابعين، وخرّج له مسلم،


[١] البيتان في «الأغاني» (٢/ ١١) .
[٢] في «الأغاني» : «وأوعدني» .
[٣] في الأصل، والمطبوع: «وأبوهم حشيت» وأثبت ما في «الأغاني» .
[٤] في «الأغاني» : «على غير جرم» .
[٥] في «الأغاني» : «وأن فؤادي رهنها وأسيرها» ، والأبيات فيه (٢/ ٦٨) .
[٦] في «العبر» للذهبي (١/ ٢٥٨) : «المخزومي» وهو خطأ فيصحّح فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>