للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكى المبرّد قال: أخبرني علي بن القاسم قال: قال لي عليّ بن جبلة: زرت أبا دلف العجلي، فكنت لا أدخل إليه إلّا تلقّاني ببشره، ولا أخرج عنه إلّا تلافاني ببرّه. فلما أكثر ذلك هجرته أياما حياء منه، فبعث إليّ أخاه معقلا، فقال: يقول لك الأمير: هجرتنا وقعدت عنا، فإن كنت رأيت تقصيرا فيما مضى فاعذر فإننا نتلافاه في المستقبل ونزيد فيما يجب من برّك.

فكتبت إليه بهذه الأبيات:

هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل يرتجى نيل الزيادة [١] بالكفر

ولكنّني لمّا أتيتك زائرا ... فأفرطت في برّي عجزت عن الشّكر

فم الآن [٢] لا آتيك إلّا مسلّما ... أزورك في الشّهرين يوما أو الشّهر

فإن زدتني برّا تزايدت جفوة ... فلا نلتقي طول الحياة إلى الحشر [٣]

فلما نظر فيها معقل استحسنها- وكان أديبا شاعرا أشعر من أخيه أبي دلف- فقال: جوّدت والله، وأحسنت، أما إن الأمير سيعجب بهذه الأبيات والمعاني، فلما أوصلها إلى أبي دلف استحسنها وكتب إليّ بهذه الأبيات:

ألا ربّ ضيف [٤] طارق قد بسطته ... وآنسته قبل الضيافة بالبشر

أتاني يرجّيني فما حال دونه ... ودون القرى من نائلي عنده ستري [٥]

رأيت له [٦] فضلا عليّ بقصده ... إليّ وبرّا لا يعادله شكري [٧]

فلم أعد أن أدنيته وابتدأته ... ببشر وإكرام وبرّ على برّ


[١] في الأصل: «نيل الزيارة» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[٢] كذا في الأصل، والمطبوع: «فم الآن» وفي «تاريخ بغداد» : «فملّان» ، وفي «الأغاني» :
«فها أنا» .
[٣] الأبيات في «الأغاني» (٢٠/ ٢٤) ، و «تاريخ بغداد» (٩/ ٤٨٨) منسوبة إلى دعبل.
[٤] في الأصل، والمطبوع: «ألا رب طيف» ، والتصحيح من «الأغاني» .
[٥] في الأصل، والمطبوع: «مني ومن نائلي شرى» ، وأثبت ما في «الأغاني» .
[٦] في «الأغاني» : «وجدت له» .
[٧] في «الأغاني» : «يستحق به شكري» .

<<  <  ج: ص:  >  >>