للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا دخول دور القضاة والولاة بلا إِذن، جريًا على العادة.

ومنها: الشربُ وسقُي الدواب من الجداول والأنهار المملوكة المجرى، إذا كان الشرب لا يضر بمالكها: جائزٌ، إِقامةً للعرف (١) مقام الإِذن اللفظي. وكذا ما جرت


(١) العرف في اللغة. قال عنه ابن فارس: "العين والراء والفاء: أصلان صحيحان، يدل أحدهما على تتابع الشيء متصلًا بعضه ببعض، والآخر على السكون والطمأنينة". ثم جعل العرف الذي نحن بصدده من الأصل الآخر فقال: - "والعرف: المعروف، وسمي بذلك لأن النفوس تسكن إِليه" معجم مقاييس اللغة (٤/ ٢٨١).
أقول: ولعل للعرف الذي نحن بصدده صلة بالأصلين اللذين ذكرهما ابن فارس جميعًا، من جهة أن العرف لا يكون عرفًا إلا بعد أن يتتابع، فإذا تتابع وعرفه الناس فإن النفوس تسكن وتطمئن اِليه.
أما في الاصطلاح فقد عرفه الشريف الجرجاني بقوله: - "العرف: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول" التعريفات (١٤٩).
ونقل ابن عابدين قولًا في تعريف العادة والعرف معًا فقال: - "وفي شرح الأشباه للبيرى عن المستصفى: العادة والعرف ما استقر في النفوس من جهة الحقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول" رسائل ابن عابدين (٢/ ١١٢). أقول: والمستصفى المذكور غير كتاب الغزالي، ولكنه كتاب في فقه الحنفية لأبي البركات النسفي المتوفي سنة ٧١٠ هـ.
وينقسم العرف إلى عام وخاص، وقولي وعملي، وسيأتي بيان كل منها في موضعه.
وعند التأمل في تعريفات العرف والحادة: نجد أن تعريفي الجرجاني متفقان من جهة اعتبار العموم فيهما، ومختلفان في أن تعريف العادة اعتبر فيه الاستمرار بينما اعتبر في تعريف العرف الاستقرار، وذلك يفيد أن العادة تحدث أولًا فإذا استقرت النفوس على ذلك الأمر المعتاد أصبح عرفًا.
ونجد أن النسبة بين تعريف صاحب تيسير التحرير للعادة وتعريف الجرجاني للعرف هي العموم والخصوص من جهة أن الأمر المتكرر يسمى عادة سواء أصدر من واحد أم من عامة الناس، بينما لا يسمى عرفًا إلا إن صدر من عامة الناس، فالعادة أعم والعرف أخص.
أما صاحب المستصفى فقد سوى بي العادة والعرف، وعرفهما بتعريف واحد، وقد عقب =

<<  <  ج: ص:  >  >>