فإن قلت: قد صرح الراوي في هذه الرواية بأنه كان يهوديًّا، وقد وقع في رواية لابن عيينة عند البخاري (٥٧٦٥): (رجل من بني زريق حليف ليهود، كان منافقًا)، وبين الروايتين معارضة، فكيف الجمع بينهما؟
قلت: جمع بينهما الحافظ في "الفتح" بأن من أطلق أنه يهودي. . نظر إلى ما في نفس الأمر، ومن أطلق عليه منافقًا. . نظر إلى ظاهر أمره، ويحتمل أنه قيل له: يهودي؛ لكونه من حلفائهم لا أنه كان على دينهم.
وبنو زُريق بطن من الأنصار مشهور من الخزرج، وكان بين كثير من الأنصار واليهود حِلْفٌ وإخاء قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام. . تبرأ الأنصار منهم، وقد أخرج البيهقي في "دلائل النبوة"(٧/ ٩٢) من طريق عمرة عن عائشة قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه، يقال له: لبيد بن أعصم، وكان تعجبه خدمته، فلم تزل به يهود حتى سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
وقد بين الواقدي السنة التي وقع فيها السحر فيما أخرجه عنه ابن سعد بسند له إلى عمر بن الحكم مرسلًا، قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة، ودخل المحرم من سنة سبع. . جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم، وكان حليفًا في بني زريق، وكان ساحرًا، فقالوا له: يا أبا الأعصم؛ أنت أَسْحَرُنَا، وقد سحرنا محمد، فَلِمَ لا تصنعُ شيئًا ونحن نجعل لك جُعلًا على أن تصنع لنا سحرًا يَنكَؤُه، فجعلوا له ثلاثة دنانير، ووقع في رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي:(فأقام أربعين ليلة).
وقال السهيلي: لم أقف في شيء من الأحاديث المشهورة على قدر المدة التي مكث النبي صلى الله عليه وسلم فيها في السحر، حتى ظفرت به في "جامع