قال السندي: قوله: (أتقبلون صبيانكم؟ ) من التقبيل، وهو يكون في الفم (وأملك أن كان الله قد نزع منكم الرحمة)، (أن نزع) مفعول (أملك) أي: لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله تعالى منه.
والمقصود: بيان أن هذا سببه قلة ما في قلوبكم من الرحمة وكثرة القسوة.
قال القرطبي: قوله: "وأملك ... " إلى آخره، كذا وقع هذا اللفظ بحذف همزة الاستفهام الإنكاري، وهي مرادة؛ تقديره: أوَأملك، وكذا جاء هذا اللفظ في "البخاري" بإثباتها، وهو الأحسن؛ لقلة حذف همزة الاستفهام في كلامهم و (أن) مفتوحة الهمزة، وهي مع الفعل في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا به، ولكنه عَلَى حذف مضاف؛ تقديره: أوَأملك لكم دفع كون الله نزع الرحمة من قلوبكم بتحصيل الرحمة فيها؟ ! أي: لا أقدر على تحصيلها في قلوبكم، وقد أَبْعدَ - أي: قال قولًا بعيدًا عن الصواب - مَنْ كَسَرها، ولم تصح روايةُ الكسرِ.
ومعنى الكلام: نفي قدرته على الإتيان بما نزع الله من قلوبهم من الرحمة.
والرحمةُ في حقنا: هي رقةٌ وحنوٌّ يجده الإنسان في نفسه عند مشاهدة مبتلىً أو ضعيف أو صغير، يحمله على الإحسان إليه، واللطف به، والرفق في السعي في كشف ما به، وقد جعل الله هذه الرحمة في الحيوان كله؛ عاقله وغير عاقله، فبها تعطف الحيوانات على نوعها وأولادها، فتحنو عليها وتلطف بها في حال ضعفها وصغرها.
وحكمة هذه الرحمة تسخير القوي للضعيف والكبير للصغير؛ حتى ينحفظ نوعه وتتم مصلحته؛ وذلك تدبير اللطيفِ الخبير، وهذه الرحمة التي جعلها الله تعالى في القلوب في هذه الدار وتحصل عنها هذه المصلحة العظيمة .. هي