رحمةٌ واحدة من مئة رحمة، ادخرها الله تعالى ليوم القيامة، فيرحم عباده المؤمنين وقت أهوالها وشدائدها، حتى يخلصهم منها، ويدخلهم جنته وكرامته.
وإذا تقرر هذا .. فمن خلق الله تعالى في قلبه هذه الرحمة الحاملة على الرفق وكشف ضر المبتلى .. فقد رحمه الله تعالى بذلك في الحال، وجعل ذلك علامة على رحمته إياه في المآل.
ومن سلب الله ذلك المعنى منه وابتلاه بنقيض ذلك من القسوة والغلظ، ولم يلطف بضعيف ولا أشفق على مبتلىً .. فقد أشقاه في الحال، وجعل ذلك علمًا على شِقْوَتِه في المآل، والعياذ بالله من ذلك.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الراحمون يرحمهم الرَّحمن" رواه أبو داوود والترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا:"لا يرحم الله من عباده إلَّا الرحماء، متفق عليه رواه البخاري ومسلم، وقال أيضًا: "لا تنزع الرحمة إلَّا من شقي" رواه أبو داوود والترمذي، وقال أيضًا: "من لا يرحم .. لا يرحم" انظر تخريجه في "التلخيص" برقم (٢٩٣٧).
وأما الرحمة في حق الله تعالى .. فهي صفة ثابتة لله تعالى، نثبتها ونعتقدها، لا نمثلها ولا نكيفها ولا نعطلها، أثرها: الإنعام على عباده، والإحسان إليهم:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(١).
وفي هذا الحديث ما يدلُّ على جواز تقبيل الصغير على جهة الرحمة والشفقة، وكراهة الامتناع من ذلك على جهة الأنفة، وهذه القبلة هي على الفم، ويكره مثل ذلك في الكبار؛ إذ لَمْ يكن ذلك معروفًا في الصدر الأول، ولا يدلُّ على شفقة.