للضيف (ثلاثة أيام، وما أنفق) وصرف المضيف (عليه) أي: على الضيف (بعد) مضي (ثلاثة أيام .. فهو صدقة) على الضيف؛ أي: تبرع له لا مستحقة له؛ أي: فما زاد على ثلاثة أيام .. فهو صدقة عليه؛ فالمضيِّف مخير فيه؛ إن شاء .. فعل، وإن لَمْ يشأ .. لَمْ يفعل.
سماه صدقة؛ تنفيرًا للضيف عن الإقامة أكثر منها، قال القاضي عياض: قوله: (فما كان وراء ذلك) أي: ما كان وراء ثلاثة أيام .. فهو صدقة؛ لأنَّها خرجت عن حد الضيافة والمكارمة المستحبة إلى حد التعرض للعطاء والسؤال والصدقة المكروهة إلَّا للمحتاج، المحرم أخذها للغني بغير طيب نفس صاحبها. انتهى.
قال القرطبي: قوله: "فليكرم ضيفه" والأمر بها على جهة الندب؛ لأنَّها من مكارم الأخلاق، إلَّا أن تتعين في بعض الأوقات بحسب ضرورة أو حاجة، فتجب حينئذ.
وقد أفاد هذا الحديث أنَّها من أخلاق المؤمنين، ومما لا ينبغي لهم أن يتخلفوا عنها؛ لما يحصل عليها من الثواب في الآخرة، ولما يترتب عليها في الدنيا من إظهار العمل بمكارم الأخلاق، وحسن الأحدوثة الطيبة، وطيب الثناء، وحصول الراحة للضيف المتعوب بمشقات السفر، المحتاج إلى ما يخفف عليه ما هو فيه من المشقة والحاجة.
ولم تزل الضيافة معمولًا بها في العرب من لدن إبراهيم عليه السلام؛ لأنه أول من ضيف الضيف، وعادةً مستمرةً فيهم، حتى إن من تركها .. يُذمُّ عرفًا، ويُبخَّلُ ويُقبَّحُ عليه عادة، فنحن وإن لَمْ نقل: إنها واجبةٌ شرعًا .. فهي متعينة؛ لما يحصل منها من المصالح، ويندفع بها من المضار، عادةً وعرفًا. انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الأدب، باب