أما إذا علم أنه لا يسمع صوته في داخل البيت .. فيكتفي بالاستئذان بقرع الباب أو بضغط زر الجرس الموضوع في زماننا على أبواب أكثر البيوت، ولكن الأدب في قرع الباب أو دق الجرس أن يكون خفيفًا بحيث يسمع ولا يزعج في ذلك؛ فقد روى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: كانت أبواب النبي صلى الله عليه وسلم تقرع بالأظافير. رواه الخطيب في "جامعه" كما في "تفسير القرطبي"(١٢/ ٢١٧).
قال القرطبي: وحاصل هذه الأحاديث: أن دخول منزل الغير ممنوع، كان ذلك الغير فيها أو لَمْ يكن، إلَّا بعد الإذن، وهذا هو الذي نص الله تعالى عليه بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}، ثم قال بعد ذلك:{فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا}(١)، وهذا لا بد منه؛ لأن دخول منزل الغير تصرف في ملكه، ولا يجوز بغير إذنه؛ لأنه يطلع منه على ما لا يجوز الاطلاع عليه من عورات البيوت، فكانت هذه المصلحة في أعلى رتبة المصالح الحَاجيَّةِ.
ولما تقرر هذا شرعًا عند أبي موسى .. استأذن أبو موسى على عمر رضي الله تعالى عنهما، ولما كان عنده علم بكيفية الاستئذان وعدده .. عمل على ما كان عنده من ذلك، فلما لَمْ يؤذن له .. رجع.
وأما عمر رضي الله تعالى عنه .. فكان عنده علم بالاستئذان، ولم يكن عنده علم من العدد، فلذلك أنكره على أبي موسى إنكار مستبعد من نفسه أن يخفى عليه ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مع ملازمته النبي صلى الله عليه وسلم حضرًا وسفرًا ملازمةً لَمْ تكن لأبي موسى ولا لغيره، وإنكار من يسد باب