للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ".

===

الأول: أنه قاله قبل إسلامه، فيحتمل: أن يكون اعتقاده حينئذ أن لا وجود للجنة، أو لا دوام لها؛ كما هو مذهب طائفة من أهل الضلال.

ثانيهما: أن يكون أراد مما سوى الجنة من نعيم الدنيا؛ لأنه كان بصدد ذم الدنيا وبيان سرعة زوالها، وأما تكذيب عثمان إياه .. فلحمل كلامه على العموم.

(و) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم) في شعره بلسانه لا بقلبه؛ حيث قال:

لك الحمدُ والنعماءُ والملكُ ربَّنا ... فلا شيء أعلى منك مجدًا وأمجدُ

مليكٌ على عرش السماءِ مهيمنٌ ... لِعزَّتهِ تَعْنُو الوجُوهُ وتسجدُ

فسبحانَ مَنْ لا يعرف الخَلْقُ قَدْرهُ ... ومَنْ هو فوق العرش فردٌ موحَّدُ

هو الله باري الخلق والخلقُ كلهم ... إِماءٌ له طوعًا جميعًا وأَعْبدُ

مليكُ السماواتِ الشِّدادِ وأَرْضِها ... يَدومُ ويَبْقَى والخليقةُ تَنْفدُ

والمراد: أن المعاني التي أتى بها أمية ابن أبي الصلت في أشعاره معان صحيحة حِكَمِيَّة لا تصدر في الغالب إلا عن رجل مسلم، فكاد أمية أن يسلم، ولكنه لم يقدر له ذلك؛ أي: قارب أن يسلم؛ لأن أكثر أشعاره يُشعر بالتَّوحِيدِ.

قال القسطلاني: كان من شعراء الجاهلية، وأدرك مبادئ الإسلام، بلغه خبر البعث، لكنه لم يوفق للإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يتعبد في الجاهلية، وأكثر ما في شعره من التوحيد، وكان غواصًا على المعاني، معتنيًا بالحقائق، ولذا استحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره، واستزاد من إنشاده؛ لما فيه من الإقرار بالوحدانية والبعث، وفي الحديث دلالة على جواز إنشاد الشعر الذي لا فحش فيه واستماعِه، سواء في ذلك شعر الجاهلية وغيرهم، وأن المذموم من الشعر الذي لا فحش فيه إنما هو الإكثار منه، وكونه

<<  <  ج: ص:  >  >>