اثنين منكم دون الثالث .. (فلا يتناجى) من باب تلَاقَى؛ أي: لا يتحدَّثْ (اثنان) منكم سرًّا أو بِلُغةٍ لا يعرفُها الثالثُ (دون صاحبهما) الذي هو الثالث لهما.
وعلَّل النَفْيَ الذي هو بمعنى النهي بقوله:(فإن ذلك) أي: وإنما مَنَع تحدُّثَهما دون الثالث؛ لأن تحدثهما دُونَه (يُحْزنُه) أي: يُحْزِنُ الثالث؛ أي: يُوقع الحزنَ في قلبِ الثالث.
والمناجاة: محادثة اثنين سرًّا بحيث لا يسمع الثالث لهما؛ لكونه منفردًا عن المتناجيين، ولأنه قد يتوهم أن نجواهما إنما هو لسوء رأيهما فيه، أو لدسيسة غائلة له، وهذا من حسن الأدب؛ لئلا يتباغضوا ويتقاطعوا.
ويدخل في هذا الحكم ما إذا تناجت جماعة كثيرة، وتركت رجلًا واحدًا منفردًا.
نعم؛ يستثنى من هذا ما إذا أذن ذلك الرجل الواحد؛ لأنه صاحب الحق.
وفي الحديث بيان أدب المجالسة وإكرام الجليس.
والرواية المشهورة:(يتناجى) بالألف المقصورة ثابتة في الخط، غير أنها تسقط في اللفظ؛ لالتقاء الساكنين، فإذًا هو خبر عن نفي المشروعية ويتضمن النهي عن ذلك، ووقع في بعض النسخ:(فلا يتناج) بغير ألف؛ على النهي، وهي واضحة.
وقد زاد في الرواية الأخرى زيادةً حسنةً، فقال:(حتى تختلطوا بالناس) فبين غاية المنع؛ وهو أن يجد الثالث من يتحدث معه.
قوله:(فإن ذلك يحزنه) قال أهل اللغة: يقال: حزنه وأحزنه، وقرئ بهما في السبع.