الحبيب إن عرف منها خيرًا .. قالَه: أي ذكره له، وإن جَهِل أو شك .. سكَت، بخلاف غيره؛ فإنه يعبرها له بغيرِ ما يُحِبُّ؛ بغضًا وحسدًا، فربما وقع ما فسر به؛ إذِ الرؤيا لِأوَّل عابر، وفي "الترمذي": "لا يحدث بها إلا لَبِيبًا أو حبيبًا).
قوله: "وإن رأى شيئًا يكرهه .. فلا يقصه لأحد" فإنها من الشيطان؛ أي: من طَبْعِه وعلى وفق رضاه، ولعلها إن ذكِرَتْ لأحدٍ .. فربما أَضَرَّتْهُ.
فإن قلت: إن الرؤيا قد تكون منذرة ومنبهة للمرء على استعداد للبلاء قبل وقوعه رفقًا من الله بعباده؛ لئلا يقع على غِرة، فإذا وقع على مقدمة وتوطين .. كان أقوى للنفس وأبعد لها من أذى البغتة، فما وجه كتمانها؟
أجيب: بأنه إذا أخبر بالرؤيا المكروهة .. يسوء حاله؛ لأنه لم يأمن أن تفسر له بالمكروه، فيستعجل الهم ويتعذب بها ويترقب وقوع المكروه، فيسوء حاله ويغلب عليه اليأس من الخلاص من شرها، ويجعل ذلك نَصْبَ عينيه، وقد كان صلى الله عليه وسلم داواه من هذا البلاء الذي عجله لنفسه بما أمره به من كتمانها، والتعوذ بالله من شرها، وإذا لم تفسر له بالمكروه .. بقي بين الطمع والرجاء، فلا يجزع؛ لأنها من قبل الشيطان، أو لأن لها تاويلًا آخر محبوبًا، فأراد صلى الله عليه وسلم ألا تتعذب أمته بانتظارهم خروجها بالمكروه، وهذه حكمة بالغة، فجزاه الله عنا بما هو أهله. انتهى من "القسطلاني".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث عوف بن مالك رضي الله تعالى عنهما، فقال: