الحديث ما لفظه: معنى هذا الحديث: أن مِن حُسْنِ إسلامه .. تَرْكه ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصارَه على ما يعنيه من الأقوال والأفعال؛ ومعنى يعنيه: أنه يتعلق عنايته به، ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية: شدة الاهتمام، يقال: عناه يعنيه، إذا اهتم به وطلبه.
وإذا حسن الإسلام .. اقتضى ترك ما لا يعني كله؛ من المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات، التي لا يحتاج إليها؛ فإن هذا كله لا يعنيه المسلم إذا كمل إسلامه. انتهى مختصرًا.
قال القاري: في معنى: (تركه ما لا يعنيه) أي: ما لا يهمه ولا يليق به قولًا وفعلًا، ونظرًا وفكرًا، قال: وحقيقة (ما لا يعنيه): ما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه، ولا ينفعه في مرضاة مولاه؛ بأن يكون عيشه بدونه ممكنًا، وهو في استقامة حاله بغيره متمكنًا؛ وذلك يشمل الأفعال الزائدة، والأقوال الفاضلة.
قال الغزالي: وحد (ما لا يعنيك): أن تتكلم بكل ما لو سكت عنه .. لم تأثم ولم تتضرر في حال ولا مآل.
ومثاله: أن تجلس مع قومٍ، فتحكي معهم أسفارك، وما رأيت فيها من جبال وأنهار، وما وقع لك من الوقائع، وما استحسنته من الأطعمة والثياب، وما تعجبت منه من مشائخ البلاد ووقائعهم، فهذه أمور لو سكت عنها .. لم تأثم ولم تتضرر.
وإذا بالغت في الاجتهاد حتى لم يمتزج بحكايتك زيادة ولا نقصان ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة، ولا اغتياب لشخص، ولا مذمة لشيء مما خلقه الله تعالى .. فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك، ومحاسب على عمل لسانك، إذ تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ لأنك لو صرفت