قال القرطبي: "فتتنافسوها ... " إلى آخره؛ أي: تتحاسدون فيها، فتختلفون وتتقاتلون، فيهلك بعضكم بعضًا؛ كما قد ظهر ووجد.
وقد سمى في هذا الحديث:(التحاسد)(تنافسًا) توسعًا؛ لقرب ما بينهما.
انتهى؛ كما سيأتي الفرق بينهما. انتهى "مفهم".
(كما تنافسوها) - بتاء واحدة - لأنه ماضٍ أسند إلى واو الجماعة؛ أي: فترغبوا فيها؛ كما رغب فيها من كان قبلكم من الأمم (فتهلككم) - بالنصب - معطوف على (تنافسوا) الأول، وتحجزكم عن التزود للآخرة (كلما أهلكتهم) أي: كما أهلكت الأمم السابقة وحجزتهم عن الآخرة.
والتنافس والمنافسة معناهما واحد؛ وهو الرغبة في الشيء النفيس، وحب الانفراد به؛ والشيء النفيس: هو الجيد في نوعه.
وفي هذا الحديث: طلبُ العطاء من الإمام لا غضاضة فيه، وفيه أيضًا البشرى من الإمام لأتباعه، وتوسيع أملهم، وفيه من أعلام النبوة .. إخباره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يفتح عليهم، وفيه أيضًا أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين. انتهى من "العيني".
قال علي القاري في "المرقاة": والظاهر أن المراد بالفقر: فقدان جميع ما يحتاج إليه من ضروريات الدين والبدن، وبالغنى: الزيادةُ على مقدار الكفايةِ الموجبةُ للطغيان، وشغلِ الإنسان عن طاعة الرَّحمن.
فالمعنى - كما قال الطيبي -: ترغبون فيها، فتشتغلون بجمعها، وتحرصون على إمساكها، فتطغون فيها، فتهلكون بها. انتهى منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذِّمة والحرب، ومسلم في كتاب الزهد والرقائق،