الاكتفاء (فإن توضأنا به .. عطشنا) -بكسر الطاء- أي: أخذنا العطش، فنهلك به؛ لأنه ينفد باستعماله في الوضوء (أفنتوضأ) أي: هل لنا أن نتزوده فنتوضأ (من ماء البحر) أي: المالح؟ فإن الغالب في إطلاق البحر هو المالح.
فإن قيل: كيف شكوا في جواز الوضوء بماء البحر؟
قلنا: يحتمل أنهم لما سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تركبوا البحر إلا حاجًا أو معتمرًا أو غازيًا في سبيل الله؛ فإن تحت البحر نارًا، وتحت النار بحرًا". أخرجه أبو داوود، وسعيد بن منصور في "سننه" عن ابن عمرو مرفوعًا .. ظنوا أنه لا يجزئ التطهير به، وقد رُوي موقوفًا على ابن عمر بلفظ:(ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة؛ إن تحت البحر نارًا، ثم ماءً، ثم نارًا، حتى عدَّ سبعة أبحر وسبع أنيار) ذكره ابن حبان في باب (٨٦)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(٤/ ٣٣٤)، ورُوي أيضًا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لا يجوز التطهير به، ولا حجة في أقوال الصحابة إذا عارضت المرفوع والإجماع.
وحديث ابن عمر المرفوع قال أبو داوود: رواته مجهولون، وقال الخطابي: ضعفوا إسناده، وقال البخاري: ليس هذا الحديث بصحيح، وقال أبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذي"(١/ ٨٨): إنما توقفوا عن ماء البحر؛ لأحد الوجهين: إما لأنه لا يُشرب، وإما لأنه طبق جهنم، وما كان طبق سخط لا يكون طريق طهارة ورحمة. انتهى "غاية المقصود".
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جوابه: (هو) أي: البحر (الطهور) -بفتح الطاء- أي: المطهر (ماؤه) لأنهم سألوه عن طهورية مائه، لا عن طهارته (الحل ميتته) فالميت من السمك حلال بالاتفاق، وفيما عداه