التبطل والتعطل، بل لا بد فيه من التوصل بنوع من السبب؛ لأن الطير ترزق بالسعي والطلب، ولهذا قال أحمد: ليس في الحديث ما يدل على ترك الكسب، بل فيه ما يدل على طلب الرزق، وإنما أراد: لو توكلوا على الله في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم، وعلموا أن الخير بيده .. لم ينصرفوا إلا غانمين سالمين؛ كالطير، لكن اعتمدوا على قوتهم وكسبهم، وذلك لا ينافي التوكل. انتهى.
وقال الشيخ أبو حامد: وقد يظن أن معنى التوكل: ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب، والسقوط على الأرض؛ كالخِرْقَةِ المُلْقاة، أو كلحم على وضم، وهذا ظن الجهال؛ فإن ذلك حرام في الشرع، والشرع قد أثنى على المتوكلين، فكيف ينال مقامٌ من مقامات الدين بمحظور من محظورات الدين؟ ! بل نَكْشِفُ عن الحق فيه، فنقول: إنما يظهر تأثير التوكل في حركة العبد وسعيه بعمله إلى مقاصده.
وقال الإمام أبو القاسم القشيري: اعلم: أن التوكل محله القلب، وأما الحركة بالظاهر .. فلا تنافي التوكل بالقلب بعدما يُحقِّقُ العبد أن الرزق من قبل الله تعالى، فإن تعسر شيء .. فبتقديره تعالى، وإن تيسر شيء .. فبتيسيره. انتهى من "تحفة الأحوذي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الزهد، باب التوكل على الله، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: هذا حديث حسن صحيح ولم يخرجاه. ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.