وعليه أن يَجْتَنِبَ مطاوعةَ النفس ومعاملةَ الشيطان؛ لئلا يضيع رأسُ ماله مع الربح، وقوله في الحديث:"مغبونٌ فيهما كثير من الناس" نظيرُ قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}(١) فـ (الكثير) في الحديث في مقابلة (القليل) في الآية.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: اختُلف في نعمة الله على العبد: فقيل: الإيمانُ، وقيل: الحياةُ، وقيل: الصحةُ، والأَول أَوْلى؛ فإِنَّه نعمةٌ مطلقة، وأما الحياة والصحة .. فإنهما نعمة دُنْيَوِيَّة، ولا تكون نعمةً حقيقةً، إلا إذا صاحبَتِ الإيمانَ، وحينئذ يغبن فيها كثير من الناس؛ أي: يذهب رِبْحُهم أو يَنْقص، فمن اسْتَرْسل مع نفسه الأمارة بالسوء الخالدة إلى الراحة، فترك المحافظة على الحدود والمواظبة على الطاعة .. فقد غُبِنَ، وكذلك إذا كان فارغًا؛ فإنَّ المشغول قد يكون له معذرة، بخلاف الفارغ؛ فإنه يرتفع عنه المعذرة، وتقوم عليه الحجة. انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الرقاق، باب في الرقاق، والترمذي في كتاب الزهد، باب الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، والنسائي في "الكبرى" في الرقاق، والحاكم.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة، والله أعلم.
ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عباس بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنهم، فقال: