قوله:"مغبون فيهما كثير من الناس" قال السندي: أي: ذو خسران فيهما، قال ابن الخازن: النعمة: ما يتنعم به الإنسان ويستلذه.
والغبن: أن يشتري بأضعاف الثمن، أو يبيع بدون ثمن المثل؛ فمن صح بدنه وتفرغ من الأشغال العائقة، ولم يسع لصلاح آخرته .. فهو كالمغبون في البيع.
والمقصود: بيان أن غالب الناس لا ينتفعون بالصحة والفراغ، بل يصرفونهما في غير محالهما، فيصير كل منهما في حقه وبالًا بعد أن كان كل منهما لو صرفوه في محله .. لكان لهم خيرًا أي خير، فكانوا يتبدلون بذلك الخير هذا الوبال، والله أعلم بحقيقة الحال. انتهى منه.
قوله:"الصحةُ والفراغُ" قال الحافظ في "الفتح"(١١/ ٢٣٠): قال ابن بطال: معنى الحديث: أن المرء لا يكون فارغًا حتى يكون مكفيًا صحيح البدن، فمن حصل له ذلك .. فليحرص على ألا يغبن؛ بألا يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومِن شكره: امتثالُ أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرَّط في ذلك .. فهو مغبون، وأشار بقوله:"كثير من الناس" إلى أن الذي يوفق لذلك قليل.
وقال الطيبي في "شرح المشكاة": ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف مثلًا بالتاجر الذي له رأس مال؛ فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال، فطريقه في ذلك: أن يتحرَّى فيمَنْ يُعامله، ويلزمُ الصدق والحِذْقَ؛ لئلا يغبن، فالصحة والفراغ رأس المال، وينبغي له أن يُعامِلَ الله بالإِيمان ومجاهدةِ النفسِ وعدوِّ الدين؛ ليربح خَيْرَي الدنيا والآخرة، قريبٌ منه قولُه تعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠)} [الصف: ١٠] الآية (١).