وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعمتان) مبتدأ أول، وسوغ الابتداء بالنكرة: قصد الجنس، وهي تثنية نعمة؛ وهي الحالة الحسنة، وقال الإمام فخر الدين: المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير.
وزاد الدارمي: من نعم الله (مغبون فيهما) أي: في النعمتين (كثير من الناس) مبتدأ ثان مؤخر عن خبره، وخبره:(مغبون) مقدمًا عليه، والجملة من المبتدأ وخبره خبر للمبتدأ الأول؛ وهو (نعمتان)، والرابط ضمير (فيهما) والتقدير: نعمتان كثير من الناس مغبون فيهما؛ وهما؛ أعني: النعمتين (الصحة) في البدن (والفراغ) من الشواغل بالمعاش المانع له عن العبادة.
والغبن - بفتح الغين المعجمة وسكون الموحدة -: النقص في البيع، وبتحريكها: في الرأي؛ أي: ضعف الرأي.
قال في "الكواكب": فكأنه قال: هذان الأمران إن لم يستعملا فيما ينبغي .. فقد غبن صاحبهما فيهما؛ أي: باعهما ببخس لا تحمد عاقبته، أو ليس له رأي في ذلك ألبتة؛ فقد يكون الإنسان صحيحًا، ولا يكون متفرغًا للعبادة؛ لاشتغاله بالمعاش، وبالعكس، فإذا اجتمع الصحة والفراغ، وقصر في نيل الفضائل .. فذلك الغبن كل الغبن؛ لأن الدنيا سوق الأرباح، ومزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة؛ فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة مولاه .. فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله .. فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم. انتهى "قسطلاني".