بالطبخ أو القلي أو الشي؛ أي: توضؤوا للصلاة ونحوها لأجل أكل الطعام الذي غيرته النار، وأثرت فيه بالطبخ مثلًا، وإلا .. فلا وضوء عند أكله، (فقال ابن عباس) لأبي هريرة: (أتوضأ) أي: إذًا هل نتوضأ يا أبا هريرة (من) الماء (الحميم) أي: من شرب الماء الحار أو مسه إياك؛ أي: ينبغي على مقتضى هذا الحديث أن الإنسان إذا توضأ بالماء الحار .. يتوضأ ثانيًا بالماء البارد، فرد أبو هريرة على ابن عباس معارضته هذا الحديث بقوله:(فقال له: يا بن أخي) يعني: أخوة الدين؛ (إذا سمعت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا) أو عمن حدّث عنه .. (فلا تضرب) أي: فلا تجعل لذلك الحديث ولا تضرب وتذكر (له الأمثال) أي: الأشباه والنظائر لمعارضته وللالتباس فيه؛ يعني: أن الحديث لا يُعارض بمثل هذه المعارضة المدفوعة بالنظر فيما أُريد بالحديث؛ فإن المراد أن أكل ما غيرت النار يوجب الوضوء، لا مس ما غيرته الأعضاء.
واعلم: أنه قد اختلف العلماء في هذه المسألة: فذهب أكثر الأئمة من السلف والخلف إلى أنه لا ينتقض الوضوء بأكل ما مسته النار، وذهبت طائفة إلى وجوب الوضوء الشرعي بأكل ما مسته النار، واستدلت هذه الطائفة بأحاديث هذا الباب، وأجاب الأكثرون عن أحاديث الوضوء مما مسته النار بأجوبة:
أحدها: أنها منسوخة بحديث جابر -رضي الله عنه-: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. ترك الوضوء مما مسته النار" وأنت خبير بأن حديث جابر: "كان آخر الأمرين" .. ليس من قول جابر، بل اختصره شعيب بن أبي حمرة أحد رواته كما عرفت.