وثانيها: أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب، لا على الوجوب، وهذا اختيار الخطابي وابن تيمية صاحب "المنتقى".
وثالثها: أن المراد بالوضوء منه غسل الفم والكفين، وهذا الجواب ضعيف جدًّا؛ لأن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها، وحقيقة الوضوء الشرعي: هي غسل جميع الأعضاء التي تُغسل للوضوء، فلا تُخالف هذه الحقيقة إلا لدليل.
والذي تطمئن به القلوب ما حكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه لما اختلفت أحاديث الباب، ولم يتبين الراجح منها .. نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فرجحنا به أحد الجانبين، وارتضى بهذا الجواب النووي في "شرح المهذب"، وروى الطبراني في "مسند الشاميين" من طريق سُليم بن عامر، قال: رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار، ولم يتوضؤوا، قال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن، وأخرج أحمد في "مسنده" عن جابر: قال: أكلت مع النبي -صلى الله عليه وسلم -ومع أبي بكر وعمر خبزًا ولحمًا فصلّوا ولم يتوضؤوا، وفي ترك الوضوء مما مست النار آثار أُخر مروية عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-. انتهى من العون.
وقال في "تحفة الأحوذي": وممن لم ير الوضوء مما مست النار من الصحابة .. أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبو أمامة والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ومن التابعين عبيدة السلماني وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد ومن معهم من فقهاء أهل المدينة ومالك بن أنس والشافعي وأصحابه وأهل