وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه"، وهذا يقتضي أن يراد بباطل مازح، بتقدير: ذو باطل، وتجعل الجملة حالًا من فاعل (ترك) لا من مفعوله، وجعلها حالًا من الفاعل هو الموافق لقرينه؛ أعني: وهو محق، ويحتمل أن يكون معنى "من ترك الكذب وهو باطل": أن من ترك الكذب وهو غير مستحق لكذبه؛ أي: غير مرخص له في كذبه؛ أي: ترك كذبًا غير مرخص له فيه، خرج به المواضع التي رخص فيها الكذب، كالمواضع المذكورة آنفًا.
بقي أن بين الحديثين تعارضًا، والظاهر: أنه وقع من تغيير بعض الرواة، قوله: "في ربض الجنة" بفتحتين؛ أي: حوالي الجنة وأطرافها لا في وسطها، وليس المراد خارجًا عن الجنة، كما قيل. انتهى "السندي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في المراء، الحديث (١٩٩٣)، وقال: هذا الحديث حسن لا نعرفه إلا من حديث سلمة بن وردان عن أنس رضي الله عنه.
فالحديث: حسن لغيره؛ لأن له شاهدًا من حديث أبي أمامة من رواية أبي داوود المذكور آنفًا، فالسند: ضعيف، والحديث: حسن، كما قال الترمذي، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به لحديث عائشة.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: سبعة أحاديث:
ثلاثة منها صحيحة متنًا وسندًا:
الأول: حديث جابر، ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة.