(فوالذي نفسي بيده) أتى بالقسم لتأكيد الكلام، (إن أحدكم) أيها الناس (ليعمل بعمل أهل الجَنَّة) طولَ حياته (حتى ما يكون بينه وبينها) أي: بين الجَنَّة (إلَّا ذراع)، وهذا كناية عن غاية القرب؛ أي: حتى ما يبقى بينه وبين أن يصل إلى الجَنَّة إلَّا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض إلَّا ذراع، فهو تمثيل بقرب حاله إلى الموت، وضابط ذلك بالغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة، (فيسبق عليه الكتاب) أي: المكتوب الذي كتبه الملك وهو في بطن أمه، والفاء للتعقيب الدال على حصول السبق بغير مهلة؛ أي: يغلب عليه الكتاب، (فيعمل) عند ذلك (بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها) أي: بين النار (إلَّا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجَنَّة فيدخلها) وفيه: أن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق من القضاء وجرى به القدر، والحديث لا ينافي عموم المواعيد المذكورة في الآياتِ القرآنية والأحاديث المرفوعة، مثل قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}(١) لأن المعتبر في كلها الموت على سلامة العاقبة وحسن الخاتمة، رزقنا الله تعالى إياها وجميع المسلمين بمنه وكرمه، آمين.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب القدر، وفي كتاب التوحيد، وفي كتاب بدء الخلق، وفي غيرها، ومسلم في كتاب القدر،