(ثم يبعث الله) سبحانه وتعالى (إليه) أي: إلى مادة خلق أحدكم (الملك) الموكل بالرحم؛ لأن أل فيه للعهد الذهني في الطور الرابع حين تكامل بنيانه وتشكلت أعضاؤه؛ أي: يرسل الله الملك إليه بعد تمام خلقته وتشكله بشكل الآدمي في الطور الآخر؛ كما قال تعالى:{فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}(١)؛ أي: ينفخ الروح، ولعل الأطوار المذكورة في الحديث بعد الأربعين الثالث يحصل في مدة يسيرة؛ فلذا اعتبر البعث بعد الأربعين الثالث، وكذا اشتهر بين الناس في نفخ الروح عقب أربعة أشهر، ويحتمل أن يكون بعث الملك بأربع قبيل تمام الخلق.
(فيؤمر) الملك بالبناء للمفعول (بأربع كلمات) يكتبها كما قال: (فيقول) الله سبحانه وتعالى للملك: (اكتب عمله) حسنة أو سيئة (وأجله) طويلًا أو قصيرًا، والأجل المدة التي أجلها الله تعالى لعباده في دار الفناء (ورزقه) أي: غذاءه حلالًا أو حرامًا قليلًا أو كثيرًا، أو كلّ ما ساقه الله تعالى إليه لينتفع به كالعلم وغيره (وشقي أم سعيد) حسب ما اقتضته حكمته، ورفع (شقي) على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وتاليه عطف عليه، وكان حق الكلام أن يقول: واكتب سعادته وشقاوته، فعدل عن ذلك حكاية لصورة ما يكتب؛ لأنه يكتب شقي أو سعيد، والظاهر: أن الكتابة هي الكتابة المعهودة في صحيفته، وقد جاء ذلك مصرحًا به في رواية لمسلم في حديث حذيفة بن أسيد:"ثم تطوى الصحيفة، فلا يزاد فيها ولا ينقص"، ووقع في حديث أبي ذر:"فيقضي الله ما هو قاض، فيكتب ما هو لاق بين عينيه".