للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ الله بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ".

===

قال يعلى: (فقال) لي عمر: (عجبت مما عجبت منه) يا يعلى وأشكلني ما أشكلك، فموجب التعجب والإشكال: هو أن القصر عن عدد ركعات الصلاة في الآية مشروط بالخوف، فإذا زال الخوف .. وجب الإتمام، (فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) الإشكال، (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: القصر (صدقة) أي: رخصة (تصدق الله) سبحانه وتعالى (بها عليكم) أي: رخصة رخصها لكم مطلقًا، (فاقبلوا) منه (صدقته) أي: رخصته سبحانه وتعالى، والتقييد بالخوف خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له.

قال القرطبي: قوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (١) يعني بالقصر: القصر من عدد الركعات، والقصر بتغيير الهيئات؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "صدقة تصدق الله بها عليكم" عندما سئل عن قصرها مع الأمن، فكان قوله ذلك تيسيرًا وتوفيقًا، على أن الآية متضمنة لقصر الصلاة مع الخوف ومع غير الخوف، فالقصر مع الخوف هو في هيئات على ما يأتي، ومع الأمن في الركعات، والمتصدق به إنما هو إلغاء شرط الخوف في قصر عدد الركعات مع الأمن، وعلى هذا فيبقى اعتبار الخوف في قصر الهيئات على ما يأتي، وقد أكثر الناس الكلام في هذه الآية، وما ذكرناه أولى وأحسن؛ لأنه جمع بين الآية والحديث، والجناح: الحرج، وهذا يشعر أن القصر ليس واجبًا لا في السفر ولا في الخوف؛ لأنه لا يقال في الواجب: لا جناح في فعله. انتهى من "المفهم".

قال النووي: فيه جواز قول: تصدّق الله، واللهم؛ تصدق علينا، وقد كرهه بعض السلف، وهو غلط ظاهر، وفيه جواز القصر في غير الخوف، وفيه أن


(١) سورة النساء: (١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>