للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا".

===

(قال) ثوبان: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يزيد في العمر) ولا يبارك فيه (إلا البر) أي: إلا فعل الخير؛ إما لأن البار ينتفع بعمره وإن قل أكثر مما ينتفع به غيره وإن كثُر، وإما لأنه يزاد له في العمر حقيقة؛ بمعنى: أنه لو لم يكن بارًا .. لقصر عمره عن القدر الذي كان إذا بر، لا بمعنى أنه يكون أطول عمرًا من غير البار، ثم التفاوت إنما يظهر في التقدير المعلق لا فيما يعلم الله تعالى أن الأمر يصير إليه؛ فإن ذلك لا يقبل التغير، وإليه يشير قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (١)، ومثله قوله: (ولا يرد القدر) أي: لا يدفع الحكم المقدر على العبد أزلًا (إلا الدعاء) والمراد بالقدر: الحكم المقدر أزلًا، ولا يخفى ما بين الحصرين؛ أعني: قوله: "إلا البر"، وقوله: "إلا الدعاء" من التناقض، فيجاب بحمل المقدر في الثاني على غير العمر، فليتأمل.

قال الغزالي: فإن قيل: فما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟ يقال: إن من جملة القضاء رد البلاء ووجود الرحمة؛ كما أن البذر سبب لخروج النبات من الأرض، وكما أن الترس يدفع السهم، كذلك الدعاء يرد البلاء. انتهى.

قلت: يكفي في فائدة الدعاء أنه عبادة وطاعة، وقد أمر به العبد، فكون الدعاء ذا فائدة لا يتوقف على ما ذكر، فليتأمل.

(وإن الرجل) أي: الشخص رجلًا كان أو امرأة (ليحرم) بالبناء للمفعول من الحرمان أي: يمنع (الرزق) الذي جاء ودخل في يده، ويُتلَفُ عليه بوجه من الوجوه الرزقُ الذي قُدِّر له لو لم يعص (بخطيئة) أي: بسبب معصية (يعملها)


(١) سورة الرعد: (٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>