(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من خاف منكم) أيها المؤمنون؛ أي: علم أو ظن (ألا يستيقظ) وينتبه (من آخر الليل) أي: في آخره .. (فليوتر) أي: فليصل وتره (من أول الليل) أي: في أوله للاحتياط؛ لئلا تفوته الوتر بالنوم، (ثم) بعد إيتاره (ليرقد) أي: لينم، (ومن طمع) ورجا ووثق (منكم أن يستيقظ) وينتبه (من آخر الليل) أي: في آخره .. (فـ) لينم في أول الليل، ثم (ليوتر من آخر الليل) أي: في آخره؛ (فإن قراءة آخر الليل) وصلاته (محضورة) أي: مشهودة لملائكة الليل والنهار؛ لأنهم يتعاقبون في آخر الليل، أو لملائكة الرحمة؛ لأنها تنزل في آخر الليل، والله أعلم.
(وذلك) أي: إيتاره في آخر الليل (أفضل) أي: أكثر أجرًا من إيتاره في أول الليل؛ لأن الأعمال عند حضور الملائكة أرجى للقبول، وهذا الحديث دليل على أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن وثق الاستيقاظ آخر الليل، وأن من لا يثق الاستيقاظ .. فالتقديم في أول الليل أفضل له، وهذا هو الصواب، ويُحْمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل الصحيح الصريح، فمن ذلك حديث:(أوصاني خليلي ألا أنام إلا على وتر)، وهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ.
وقال الحافظ في "الفتح": لا معارضة بين وصية أبي هريرة بالوتر قبل النوم وبين قول عائشة: (وانتهى وتره إلى السحر) لأن الأول لإرادة الاحتياط، والآخر لمن علم من نفسه قوة الاستيقاظ، كما ورد في حديث جابر عند مسلم.