عليه وسلم (بجنازة) أخرى، (فأثني عليها شرًّا) منصوب بنزع الخافض أيضًا؛ أي: وصفوها بشر، قال في رواية الحاكم المذكورة آنفًا:(فقالوا: كان يبغض الله ورسوله، ويعمل بمعصية الله تعالى ويسعى فيها)، واستعمال الثناء في الشر لغة شاذة، لكنه استعمل هنا للمشاكلة؛ لقوله: فأثني عليها خيرًا، وإنما مكَّنوا من الثناء بالشر مع الحديث الصحيح في "البخاري" في النهي عن سب الأموات؛ لأن النهي عن سبهم إنما هو في حق غير المنافقين والكفار وغير المتظاهرين بالفسق والبدعة، وأما هؤلاء .. فلا يحرم سبهم للتحذير عن طريقتهم ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم، قاله النووي. انتهى من "الإرشاد".
(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجبت، فقيل) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله) والقائل له هو عمر بن الخطاب، كما هو مصرح به في رواية مسلم:(قلت لهذه) الجنازة الأولى: (وجبت، و) قلت (لهذه) الثانية: (وجبت) فما معنى قولك: "وجبت" في الجنازتين؟ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل: سبب قولي ذلك (شهادة القوم) للجنازتين؛ شهدوا للأولى بالخير، فقلت فيها: وجبت لها الجنة، وشهدوا للثانية بالشر، فقلت فيها: وجبت لها النار، (والمؤمنون شهود الله في الأرض) أي: شهداؤه في الأرض يحكم على الأموات بما شهدوا به، فالإضافة في شهداء الله للتشريف، وهم بمنزلة عالية عند الله تعالى.
وهو أيضًا كالتزكيةِ من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وإظهار عدالتهم بعد شهادتهم لصاحب الجنازة، فينبغي أن يكون لها أثر ونفع في حقه وإلى