معنى هذا يشير قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}(١)، فالمراد بهم: المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على قدمهم وصفتهم من الإيمان، فالمراد: شهادة أهل الفضل والصدق لا الفسقة، لأنهم قد يثنون على من كان مثلهم، كما في "شروح البخاري"، وفيها أيضًا: والصحيح أنه على عمومه وإطلاقه، وأن كل مسلم مات فَأَلْهَمَ الله الناس الثناء عليه بخير .. كان دليلًا على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا؛ إذ العقوبة غير واجبة، فإلهام الله تعالى الثناء عليه دليل على أنه شاء المغفرة له، وبهذا تظهر فائدة الثناء عليه، وإلا .. فإذا كانت أفعاله مقتضية للجنة .. لم يكن للثناء فائدة، ولعله لهذا جاء:(لا تذكروا الموتى إلا بخير). انتهى بزيادة من "السندي على النسائي".
قال القرطبي: قوله: "من أثنيتم عليه شرًّا .. وجبت له النار" يُشْكِلُ هذا بالنهي عن سب الموتى، وبقوله:"اذكروا محاسن موتاكم، "وكفوا عن مساويهم" رواه أبو داوود والترمذي والحاكم من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
وأُجيب عنه بأوجهٍ:
أحدها: أن هذا الذي تُحدِّث عنه بالشر كان مستظهرًا له ومشهورًا به، فيكون ذلك من باب لا غيبة لفاسق، انظر "كشف الخفاء" (٢/ ٣٦٦).
وثانيها: أن محمل النهي إنما هو فيما هو بعد الدفن، وأما قبله .. فمُسَوغٌ؛ ليتعظ به الفساق، وهذا كما يكره لأهل الفضل الصلاة على المُعْلِن بالبِدعِ والكبائر.