اصنعوا) أي: اطبخوا (لآل جعفر طعامًا) يكفيهم (فقد أتاهم) أي: جاءهم اليوم (ما يشغلهم) من إصلاح الطعام لأنفسهم، بفتح الياء والغين، وقيل: بضم الأول وكسر الثالث؛ من أشغل الرباعي، قال في القاموس: شغله كمنعه شغلًا ويضم، وأشغله لغة جيدة أو قليلة أو رديئة، (أو) قال: (أَمْرٌ يَشْغَلُهم) شك من الراوي، والمعنى: جاءهم ما يمنعهم من الحزن عن تهيئة الطعام لأنفسهم، فيحصل الهم والضرر وهم لا يشعرون.
قال الطيبي: دل على أنه يستحب للأقارب والجيران تهيئة طعام لأهل الميت. انتهى، قال ابن العربي في "العارضة": والحديث أصل في المشاركات عند الحاجة، وصححه الترمذي، والسنة فيه: أن يصنع في اليوم الذي مات فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"فقد جاءهم ما يشغلهم" عن حالهم؛ فحُزْنُ موتِ وليهم اقتضى أن يُتكلَّفَ لهم عَيْشُهم، وقد كانت للعرب مشاركات ومواصلات في باب الأطعمة باختلاف الأسباب وفي حالة اجتماعها. انتهى.
قال القاري: والمراد: طعام يشبعهم يومهم وليلتهم؛ فإن الغالب أن الحزن الشاغل عن تناول الطعام لا يستمر أكثر من يوم، ثم إذا صنع لهم ما ذكر .. سن أن يلح عليهم في الأكل؛ لئلا يضعفوا بتركه استحياءً، أو لفرط جزع. انتهى، وقال ابن همام: ويستحب لجيران أهل الميت والأقرباء الأباعد تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"اصنعوا لآل جعفر طعامًا"، وقال: يكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت؛ لأنه شرع في السرور لا في الشرور، وهي بدعة مستقبحة لهم، وقال القاري: واصطناع أهل الميت الطعام لأجل اجتماع الناس عليه بدعة مكروهة، بل صح عن جرير رضي الله تعالى عنه:(كنا نعده من النياحة)، وهو ظاهر في التحريم. انتهى.