لا نهي إيجاب؛ فإنما نهي المحرم عن ذلك؛ خوفًا عليه أن يضعف عن الدعاء والابتهال في ذلك المقام، فأما من وجد قوة لا يخاف معها ضعفًا .. فصوم ذلك اليوم أفضل له -إن شاء الله- وقد قال صلى الله عليه وسلم:"صيام يوم عرفة يكفر سنتين؛ سنةً قبلها، وسنةً بعدها"، وقد اختلف الناس في صيام الحاج يوم عرفة: فروي عن عثمان بن أبي العاص وابن الزبير أنهما كانا يصومانه، وقال أحمد بن حنبل: إن قدر على أن يصوم .. صام، وإن أفطر .. فذلك يوم يحتاج فيه إلى قوة.
وكان إسحاق يستحب صومه للحاج، وكان عطاء يقول: أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف، وكان مالك وسفيان الثوري يختاران الإفطار للحاج، وكذلك الشافعي، وروي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا أصومه أنا. انتهى.
قال الشوكاني: واعلم أن ظاهر حديث أبي قتادة عند مسلم وأصحاب السنن مرفوعًا: "صوم يوم عرفة يكفر سنتين؛ ماضيةً ومستقبلةً ... " الحديث .. أنه يستحب صوم عرفة مطلقًا، وظاهر حديث عقبة بن عامر عن أهل السنن غير ابن ماجه:"يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهلَ الإسلام ... " الحديث .. أنه يكره صومه مطلقًا؛ لجعله قريبًا في الذكر ليوم النحر وأيام التشريق، وتعليل ذلك: أنها عيد، وأنها أيام أكل وشرب، وظاهر حديث أبي هريرة أنه لا يجوز صومه بعرفات.
فيجمع بين الأحاديث: بأن صوم هذا اليوم مستحب لكل أحد، مكروه لمن كان بعرفات حاجًا، والحكمة في ذلك: أنه ربما كان مؤديًا إلى الضعف عن الدعاء والذكر يوم عرفة هنالك، والقيام بأعمال الحج، وقيل: الحكمة أنه يوم