يا رسول الله، وخفف عنا وتجاوز في القسمة، فقال:"يا معشر اليهود؛ والله؛ إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذاك بحاملي أن أحيف عليكم، أما الذي عرضتم على من الرشوة .. فإنها سحت، وإنا لا نأكلها"، قالوا: بهذا قامت السماوات والأرض. انتهى من "العون".
قلت: وهذه الأحاديث هي عمدة من أجاز المزارعة والمخابرة؛ لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، واستمراره على عهد أبي بكر إلى أن أجلاهم عمر، وفيها دلالة على جواز المساقاة في النخل والكرم وجميع الشجر الذي من شأنه أن يثمر بجزء معلوم يجعل للعامل من الثمرة، وبه قال الجمهور، وقال أبو حنيفة وزفر: لا يجوز بحال؛ لأنها إجارة بثمرة معدومة أو مجهولة، وأجاب من جوزه: بأنه عقد على عمل في المال ببعض نمائه، فهو كالمضاربة؛ لأن المضارب يعمل في المال بجزء من نمائه، وهو معدوم ومجهول، وقد صح عقدُ الإجارة مع أن المنافع معدومة، فكذلك ها هنا.
وأيضًا: فالقياس في إبطال نص أو إجماع .. مردود، واستدل من أجازه في جميع الثمر بأن في بعض طرق رواية البخاري:(بشطر ما يخرج منها من نخل وشجر)، وفي بعض روايته:(على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشجر).
واستدل بقوله:(على شطر ما يخرج منها) على جواز المساقاة بجزء معلوم لا مجهول، واستدل به على جواز إخراج البذر من العامل أو المالك؛ لعدم تقييده في الحديث بشيء من ذلك، وفيه دليل على جواز دفع النخل مساقاةً والأرض مزارعةً من غير سنين معلومة، فيكون للمالك أن يخرج العامل متى شاء، كذا في "فتح الباري". انتهى من "العون".