(من استطاع) وقدر (منكم الباءة) أي: مؤن النِّكَاح؛ أي: من وجد منكم ما يتزوج به؛ من مهر ونفقة يوم وليلة وكذا كسوة؛ إذ الخطاب للقادرين بالفعل، وإلا .. لَمْ يستقم قوله:(ومن لَمْ يستطع .. فعليه بالصوم)(فليتزوج) وفي الباءة أربع لغات: الفصيحة المشهورة منها: (الباءة) بالمد والهاء، والثانية:(الباة) بلا مد، والثالثة:(الباء) بالمد بلا هاء، والرابعة:(الباهة) بهاءين بلا مد.
قال الخطابي: المراد بالباءة: النِّكَاح، وأصله: الموضع الذي يتبوؤه ويأوي إليه، وقال المازري: اشتق العقد على المرأة من أصل الباءة؛ لأن من شأن من يتزوج المرأة أن يبوئها منزلًا، وقال النووي: اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنىً واحد: أصحهما أن المراد: معناها اللغوي؛ وهو الجماع؛ تقديره: من استطاع منكم الجماع؛ لقدرته على مؤنه وهي مؤن النِّكَاح .. فليتزوج، ومن لَمْ يستطع الجماع؛ لعجزه عن مؤنه .. فعليه بالصوم؛ ليدفع شهوته، ويقطع شر منيه؛ كما يقطعه الوجاء، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ولا ينفكون عنها غالبًا.
والقول الثاني: أن المراد هنا بالباءة: مؤن النِّكَاح، سميت باسم ما يلازمها؛ تقديره: من استطاع منكم مؤن النِّكَاح .. فليتزوج، ومن لَمْ يستطع .. فليصم لدفع شهوته.
(فإنه) أي: فإن التزوج (أغض للبصر) أي: أشد غضًا لها؛ أي: أخفض وأدفع لعين المتزوج عن الأجنبية؛ من غض طرفه؛ إذا خفضه وكفه (وأحصن للفرج) أي: أشد إحصانًا له ومنعًا من الوقوع في الفاحشة؛ أي: أحفظ لوقوع الفرج في الحرام، وفي الحديث: الحث على غض البصر وتحصين الفرج بكل