بامهاتكم، ولا بالأنداد - أي: بالأصنام - ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون".
(قال عمر) بالسند السابق: (فـ) والله -كما في رواية مسلم - أي: فأقسمت لكم بالله الذي لا ناهي ولا آمر إلا هو؛ (ما حلفت بها) أي: بالآباء، أو بهذه اللفظة؛ وهي لفظة:(وأبي) منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها؛ كما في مسلم؛ أي: نهى عن الحلف بالاباء حالة كوني (ذاكرًا) أي: قائلًا بها من قبل نفسي (ولا آثرًا) أي: ولا حاكيًا لها عن غيري؛ بأن أقول: قال فلان: وأبي؛ يعني: ما أجريت على لساني الحلف بها أصلًا، لا بالقول ولا بالنقل.
والمعنى: لم يقع مني الحلف بها ولا تحدثت بالحلف بها عن غيري، يقال: أثرت الحديث؛ إذا نقلته عن غيرك، قال القرطبي: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالآباء؛ لما فيه من تعظيمهم بصيغ الأيمان.
لأن العادة جارية بأن الحالف منا إنما يحلف بأعظم مَا يَعْتَقِدُهُ، وإذا كان كذلك .. فلا أعظم عند المؤمن من الله تعالى، فينبغي ألا يحلف بغيره تعالى، فإذا حلف بغير الله .. فقد عظم ذلك الغير بمثل ما عظم به الله تعالى، وذلك ممنوع منه، وهذا الذي ذكرناه في الآباء جارٍ في كل محلوف به غير الله تعالى.
وإنما جرى ذكر الآباء هنا؛ لأنه هو السبب الذي أثار الحديث حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر يحلف بأبيه، وقد شهد لهذا المعنى قوله: "من كان حالفًا .. فلا يحلف إلا بالله"، وهذا حصر، وعلى ما قررناه؛ فظاهر النص التحريم، ويدخل في عموم هذا الحديث الحلف بالأشراف والسلاطين وحياتهم؛ كما يوجد في بعض البلدان، فلا ينبغي أَنْ يُخْتلَفَ في تحريمه،