(ارجعوا بنا) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنُذكِّرَهُ يمينَه (فأتيناه) أي: فرجعنا إليه (فقلنا) له: (يا رسول الله؛ إنَا أتَيْنَاك نستحملُك) أي: نطلب منك الحَمولة (فحلَفْتَ) أوَّلَ مرة على (ألا تحملنا) على شيء (ثم حملْتَنا) أي: أَعْطَيْتَنَا الحمولةَ، فهل نسيتَ يمينك يا رسول الله؟
(فقال) لنا: ما نسيت يميني، ولكن (واللهِ؛ ما أنا حملْتكُم، بل اللهُ) عزَّ وجلَّ (حملكم) أي: أعطاكم الحمولة، وهذا كلام سِيقَ لنفي ما توهَمُوه؛ أن هذا الفعل وقع نسيانًا منه، فأخبرهم بأنه لم يفعله نسيانًا، وإنما فعَلَه بأمر الله تعالى.
قال في "الفتح": وهذا الكلام يحتمل معنيين؛ الأول: أن يكون المراد منه: نفي حنثه صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم إنما حلف على أنه لا يحملهم على بعير مملوك له، ثم حملهم من بيت المال؛ وهو مال الله، فلم يقع منه الحنث؛ لأجل ذلك، وعليه فيكون قوله: "لا أحلف على يمين، ثم أرى غيرها خيرًا منها .. إلا كَفَّرْتُ ... ) إلى آخره .. فائدة مبتدأة مستقلة لا علاقة لها بقصة الباب، فكأنه قال: إني لم أحنث بحملكم على هذه النوق، ولو كنت أحنث بذلك .. لما كان ذلك مانعًا من حملكم عليها؛ لأني إذا حلفت بشيء ثم رأيت ترك ما حلفت عليه خيرًا منه .. لَأُحَنِّثُ نفسي وكفَّرتُ عن يميني، وهذا الاحتمال اختاره ابن المنير، وهو الأظهر من صَنِيعِ البخاري؛ حيث ترجم عليه (اليمينُ فيما لا يملك).
والاحتمال الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم لم ينف كونه حانثًا بحملهم على النوق، وإنما أخبرهم بأن الذي فعله خير مما حلف عليه، وأنه إذا حلف