الروايتين على تقديم الكفارة على الحنث، ولا على تأخيرها؛ إذ الواو لا تدل على الترتيب؛ كما نقلناه عن "المرقاة" آنفًا، فلذالك جاءت الرواية بالوجهين.
نعم؛ قد يقال: الأمر في الرواية الآتية لا دلالة فيه على وجوب تقديم الحنث؛ كما لا دلالة له على وجوب تقديم الكفارة، ومقتضى هذا الإطلاق: أن المأمور به فعل المجموع كيفما اتفق، وهذا الإطلاق دليل على جواز الوجهين، فقول من أوجب تقديم الحنث .. مخالف لهذا الإطلاق، فلا بد له من دليل يعارض هذا الإطلاق ويرجح عليه؛ حتى يستقيم الأخذ به وترك هذا الإطلاق، والله أعلم. انتهى من "السندي".
وهذا الذي ذكرناه من وجوب الكفارة عليه متفق عليه بين جميع الفقهاء، ثم اختلفوا هل يجوز أن يكفر قبل أن يحنث؟ فقال أبو حنيفة: لا تجزئ الكفارة قبل الحنث، وإنما يجب عليه أن يحنث أولًا ثم يكفر بعد الحنث، وهو قول أشهب من المالكية وداوود الظاهري؛ كما في "فتح الباري"(١١/ ٥٢٦).
وقال الشافعي ومالك وأحمد: إن الكفارة تجزئ قبل الحنث، وهو قول ربيعة والأوزاعي والليث بن سعد والثوري وابن المبارك وإسحاق وأبي عبيد وأبي خيثمة وسليمان بن داوود والحسن وابن سيرين، غير أن الشافعي استثنى الصيام، فقال: إن الصيام لا يجوز إلا بعد الحنث؛ لأنه عبادة بدنية، فلم يجز فعلها قبل وجوبها لغير ضرورة؛ كالصلاة. كذا في "المغني" لابن قدامة (١١/ ٢٢٣).
وقد روي عن مالك أنه استثنى الصدقة والعتق، فقال: إنهما لا يجزئان إلا بعد الحنث، حكاه الحافظ في "الفتح".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الأيمان والنذور،