ولم يذكر لواحد منهما وجوب دم عليه، ولا ذكر لأخت عقبة وجوب الرجوع لتمشي ما ركبته.
فأما من يئس عن المشي .. فلا رجوع عليه قولًا واحدًا، ولا يلزمه دم؛ إذ لم يخاطب بالمشي، فيكون الدم بدله، وإنما هو استحباب عند مالك، وأما من خوطب بالمشي فركب لموجب مرض أو عجز .. فيجب عليه الهدي عند الجمهور.
وقال الشافعي: لا يجب عليه الهدي، ويختار له الهدي، وروي عن ابن الزبير أنه لم يجعل عليه هديًا متمسكًا بما قررناه من الظاهر، وقد تمسك الجمهور بزيادة زادها أبو داوود والطحاوي في حديث عقبة، وهذا لَفْظُه: (قال عقبة بن عامر: إنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية ناشرة شعرها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"مرها فلتركب، ولتختمر، ولتهد هديًا").
وعند أبي داوود:(بدنة) وليس فيه: (ناشرة شعرها)، وزيادة الهدي قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم مع عقبة بن عامر ابن عباس، ورواها عنهما الثقات، فلا سبيل إلى ردها، وليس سكوت من سكت عنها حجة على من نطق بها، وقد عمل بها الجماهير من السلف وغيرهم.
ثم هل يجب عليه مع الهدي الرجوع فيمشي ما ركبه أم لا؟ اختلف فيه: فقيل: لا يجب عليه مطلقًا، وإليه ذهب الشافعي وأهل الكوفة، وهذا أحد قولي ابن عمر، وقيل: يرجع إليه، وإليه ذهب سلف أهل المدينة، وابن الزبير، وهو القول الآخر عن ابن عمر.
وفرق مالك فقال: إن كان المشي يسيرًا .. لم يرجع، ويرجع في الكثير ما لم يرجع لبلده البعيدة، فيكفيه الدم.