وقال القرطبي: هذا نص في أنه يحرم بيعها وإن كانت فيها منافع؛ وذلك لأنها جزء من الميتة؛ كاللحم، أو هي كالشحم مع اللحم؛ فإنه عنه يكون، ولا يلزم من تحريم بيعها والحكم بنجاستها ألا يجوز الانتفاع بها على ما قدمناه، وهذا هو الذي يتمشى عليه مذهب مالك؛ فإنه قد أجاز الانتفاع بما ماتت فيه ميتة من المائعات؛ كالزيت والسمن والعسل وغير ذلك مع الحكم بنجاسته، فقال: يعمل من الزيت النجس الصابون، ويستصبح به في غير المساجد، ويعلف العسل النحل ويطعم النجس الماشية.
وإلى نحو ذلك ذهب الشافعي والثوري وأبو حنيفة، وروي عن علي وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وفرق بعض أهل العلم بين شحوم الميتة وبين ما تنجس بما وقع فيه من النجاسة، فقال: لا ينتفع بالشحوم؛ لأنها نجسة لعينها، بخلاف ما تنجس بما وقع فيه؛ فإنه ينتفع به؛ لأن نجاسته ليست لعينه، بل عارضة. انتهى من "المفهم".
وقوله:(فإنه يدهن بها السفن ... ) إلى آخره، ذكرت ها هنا للانتفاع بشحم الميتة ثلاث طرق:
الأولن: لادهان السفن، ولعلهم كانوا يفعلون ذلك؛ لصيانة السفن عن مضار هواء البحر.
والثانية: ادهان الجلود بها، وكانوا يضمدون شحم الميتة على الجلود؛ لإحكامها، وفي قوله:(يدهن بها) نسختان: تشديد الدال على كونه من باب الافتعال، وتشديد الهاء على كونه من باب التفعيل، ذكرهما على القاري في "المرقاة"(٦/ ٣٩).