وتسميتهما بالمتبايعين يصح أن يكون بمعنى المتساومين؛ من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه أو يقرب منه.
ومعنى الحديث على هذا المذهب: إذا أوجب أحد المتعاقدين بالبيع .. فالآخر بالخيار؛ فإن شاء .. قَبِلَ، وإن لم يشأ .. لم يقبل، وللموجب خيار الرجوع عما قال قبل قول صاحبه: قبلت، وهذا الخيار ثابت ما لم يتفرقا؛ أي: قولًا، فإن تفرقا قولًا؛ بأن قال أحدهما: بعت، وقال الآخر: اشتريت .. لم يبق الخيار. انتهى "مرقاة".
فالتفرق في الحديث مفسر بالتفرق القولي لا البدني، فهم لا يقولون بثبوت خيار المجلس، وإن لم يتفرقا بأبدانهما؛ واستدلوا على ذلك بنصوص متضاربة مذكورة في الفروع.
وتعقب هذا القول ابن حزم بأن خيار المجلس ثابت بهذا الحديث، سواء قلنا التفرق بالأبدان أو بالكلام؛ أما حيث قلنا بالأبدان .. فواضح، وحيث قلنا بالكلام .. فواضح أيضًا؛ لأن قول أحد المتبايعين مثلًا: بعتكه بعشرة، وقول المشتري: بل بعشرين مثلًا .. افتراق في الكلام بلا شك، بخلاف ما لو قال: اشتريته بعشرة؛ فإنهما حينئذ متوافقان، فيتعين ثبوت الخيار لهما حين يتفقان، لا حين يفترقان، وهو المدعى.
وأما قولهم: المراد بالمتبايعين المتساومان .. فمردود؛ لأنه مجاز، والحمل على الحقيقة أو ما يقرب إليها أولى، قال البيضاوي: ومن نفى خيار المجلس .. ارتكب مجازين؛ بحمله التفرق على الأقوال، وحمله المتبايعين على المتساومين. انتهى من "الإرشاد".