بالأبدان، والبيع لا يلزم عندهما بمجرد الإيجاب والقبول، بل يثبت لكل واحد من المتبايعين خيار فسخ البيع حتى ينقضي مجلس البيع ويتفرقا بالأبدان، فإذا تفرقا .. سقط خيار المجلس ولزم البيع، وهذا القول مروي عن سعيد بن المسيب والزهري وعطاء وطاووس وشريح والشعبي والأوزاعي وابن أبي ذئب وسفيان بن عيينة وابن أبي مليكة والحسن البصري وهشام بن يوسف وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبي عبيد ومحمد بن جرير الطبري وأهل الظاهر؛ كما في "المغني" لابن قدامة (٣/ ٥٦٣)، و"التعليق الممجد"(٣٤٠).
ومعنى الحديث على هذا المذهب: البيعان كل واحد منهما محكوم له قهرًا على صاحبه بالخيار؛ أي: بالخيار بين إمضاء البيع وفسخه ما داما في مجلس العقد ولم يتفرقا بأبدانهما.
وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند البيهقي والدارقطني:"ما لم يتفرقا عن مكانهما"، وهذا صريح في أن المراد بالتفرق: التفرق بالأبدان.
وسماهما بالبيعين وهما المتعاقدان؛ لأن البيع من الأسماء المشتقة من أفعال الفاعلين، وهي لا تقع في الحقيقة إلا بعد حصول الفعل، وليس بعد العقد تفرق إلا بالأبدان، فثبت خيار المجلس.
وأما الحنفية والمالكية .. فلا يقولون بخيار المجلس، وإنما يتم عندهم البيع بالإيجاب والقبول، ولا خيار لأحدهما بعد ذلك إلا بالشرط أو بالعيب، وهذا القول مروي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف ومالك بن أنس وسفيان الثوري وإبراهيم النخعي وربيعة الرأي.
والمراد بالتفرق عندهم: التفرق بالأقوال؛ وهو الفراغ من العقد، فإذا تعاقدا .. صح البيع، ولا خيار لهما إلا أن يشترطا.