والمعنى: والذي نفسي بيده؛ لَتُفَاضَنَّ عليكم الدنيا إفاضة، فَتَشْغلكم عن الآخرة حتى لا يضل قلب أحدكم عن الحق إضلالًا، ولا يشغله عن الآخرة شغلًا إلا هيه؛ أي: إلا الدنيا، فتهلككم، (وايم الله) أصله: أيمن، حذفت نونه اعتباطًا؛ أي: واسم الله قسمي (لقد تركتكم على مثل البيضاء) ولفظ (مثل) مقحم، والبيضاء صفة لمحذوف، تقديره: والله؛ لقد تركتكم أيتها الأمة على الملة والطريقة البيضاء؛ أي: النيرة الواضحة بأدلتها من الكتاب والسنة، (ليلها ونهارها سواء) أي: وضوحها وظهورها بأدلتها الباقية التي لا تنسخ سواء في جميع القرون القريبة إلى قرني والبعيدة عن قرني؛ أي: ما فارقتكم بالموت إلا وهي واضحة بأدلتها؛ لأني تركت لكم أصلين الكتاب والسنة، فصيغة الماضي بمعنى المضارع، كما قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}(١)، ففي هذا حث على اتباع السنة وملازمتها والاجتهاد فيها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
أو لفظ (مثل) صفة المِلَّةِ المحذوفةِ، والبيضاء صفة للأرض المحذوفة، والمعنى: والله؛ لقد تركتكم على الملة مثل الأرض البيضاء؛ أي: الفارغة من الأشجار المؤذية والسباع الضارية، (ليلها ونهارها سواء) أي: السير فيها ليلًا ونهارًا سواء، لا يخاف السالك فيها؛ أي: وقت سلك فيها ليلًا أو نهارًا من الأشجار المؤذية والسباع الضارية.
(قال أبو الدرداء: صَدَق والله) والفَصْل بين الفعل والفاعل بالقسم لا يضر؛ لأنه إنما يُذكر لتأكيد الكلام، أو: والله؛ صدق (رسول الله صلى الله عليه وسلم)