للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ومذهب الشافعي رحمه الله تعالى أن البيع لا يصح إلا بالإيجاب والقبول لفظًا، وذهب بعض أصحابه إلى مثل ما قلنا، ولنا أن نقول: إن الله تعالى أحل البيع ولم يبين كيفيته، فوجب فيه الرجوع إلى العرف؛ كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق، والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك، ولأن البيع كان موجودًا بينهم معلومًا عندهم، وإنما علق عليه الشرع أحكامًا، وأبقاه على ما كان، فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه مع كثرة وقوع البيع بينهم استعمال الإيجاب والقبول، ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم .. لنقل نقلًا شائعًا، ولو كان ذلك شرطًا .. لوجب نقله، ولم يتصور منهم إهماله والغفلة عنه، ولأن البيع مما تعم به البلوى؛ فلو اشترط له الإيجاب والقبول .. لبينه صلى الله عليه وسلم بيانًا عامًّا، ولأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر، ولم ينقل إنكاره قبل مخالفينا، فكان ذلك إجماعًا، وكذلك الحكم في الإيجاب والقبول في الهبة والهدية والصدقة، وروى البخاري عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام .. سأل عنه؛ أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة .. قال لأصحابه: "كلوا"، ولم يأكل، وإن قيل: هدية .. ضرب بيده، وأكل معهم.

وفي حديث سلمان حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثمر، فقال: هذا شيء من الصدقة، رأيتك أنت وأصحابك أحق الناس به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "كلوا"، ولم يأكل هو، ثم أتاه ثانيًا بثمر، فقال: رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذا شيء أهديته لك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "باسم الله" وأكل.

<<  <  ج: ص:  >  >>